شوقي عثمان كرومه المدير العام
مزاجي : رقم العضوية : 1 عدد الرسائل : 327 الموقع : www.damerko.yoo7.com العمل/الترفيه : خريج كلية الطب - جامعة الجزيرة عدد النقاط : 12763 تاريخ التسجيل : 22/01/2008
| موضوع: الرحيل:نص شعري لليلى بنت الدامر الإثنين يناير 19, 2009 8:48 am | |
| (الرحيل )
إلى إبراهيم أحمد الحاج .. الفتى الطيب الذي قتله هاجس السؤال والرحيل
( أمام العربات تردد الرجال الطيبون ولكن كان عليهم أن يرحلوا إلى الأحياء والأموات .. الذين يغادرون الآن بلادنا الشاسعة السقوط ) ..
الرجال الطيبون .. يتركون البلاد وراءهم مثل نهر الرماد لا تنادي البيوت عليهم ، لا تفك النوافذ أزرارها خلفهم ، كي ترد لهم قبلةً في الهواء . يرحل الطيبون يجرجر وحلُ الخريف جلاليبهم وراءهم وتطوي خيول الرياح الطريق الطويل ، وتطوي الظلام القليل الذي لفَّ أسماءهم .. لقد آن أن يرحلوا فبالأمس أخفى الظلام مصا ئده في البراري ونام ويا ..... آهـ ، لم يكترث للشجر ، للمنازل كيف تهرول بين المسالك وكيف تبعثر قشرة طينها حولها ثم تبكي عليه وراء الغمام . وبالأمس لا شئ .. لا شئ غير الشوارع المعتمة والخرائب تنسج من صرخة البوم ثوباً من النوم .. لم يناموا قليلاً ، أولئك الطيبون ولم تهدأ الريح منذ المساء كأن نحيباً قتيلاً يميل وراء البيوت كأن فتىً طيباً .. لملمتْ أخته عظمه ثم غنَّتْ له ، فاستحال طيوراً تموت انتحارها وراء البيوت . لم يناموا .. لهم غابة الليل تهمس ، نادتْ بأسمائهم واحداً واحدا ثم راحت تغسل أطرافها بالغناء الحزين ولون الغسق ببطء الجنازات .. سار " التبلدي " تحت جناح الغروب الأخير ليقبع عند انحدار الطريق ومنذ قليل تفتت صوت الرعاة البعيد رويداً وحلّ السكون العميق .. لقد آن أن يرحلوا فالبنفسج اُفلتَ من بركة الدمع ودقّ فضاء المساء بقهقهة عالية والعذارى نسين الرسائل تحت الغبار والمدى في الحقول الصغيرة كان يثرثر والقمر يصغي .. ويبكي ، فقد أرهقته سنين الوقوف كأن الحياة انتظار . لقد آن أن يرحلوا .. فلم يبق غير العجائز في البلدة النائية ساحرات يجدلن شعر الظلام على شجر " النيم " ويقطفن بعض النجوم يقشرن أضواءها ويبكين في الطرقات مع الليل .. والريح .. والعربات ليلهم غامض ، ليلهم كان يسقط فوق الرصيف ويبكي ، وحيداً ، كطفلٍ صغير . لقد آن أن يرحلوا ، وحدهم ، أن يريحوا على راحة الصمت أحزانهم ، أن يسيروا فتسقط بعض الجراح التي أثقلتْ حملهم ، ويلقون السؤال :" لماذا؟" * لماذا سيبكون آباءهم وحدهم ؟ لماذا تجف حكاياتهم في مصاطب تلك البيوت ؟ لماذا تنام حبيباتهم خلف بابٍ أصمٍ يظل يرجع دقاتهم خلفهم ؟. يرحل الطيبون بلا أصدقاء . بلا عاشقاتٍ يطرزن أسماءهم في الغبار . يرحلون ، لأن الحبيبات هجرن النهار، ودخلن ، قسراً ، زنازين الظلام . لقد آن أن يرحلوا . لا حقائب غير القلوب ، بها صففوا بعض ريحانهم بين أشياءها ، شارعٌ مقمرٌ خلسةً ، زهرةٌ في كتابٍ قديم ، بها أفسحوا للحقول التي جرَّحتهم مكاناً ، بها فسحةٌ للغياب ، عتابٌ بها ، للنساء الصغيرات حين سيهدين للعربات قلائد شوك النواح وقد صففته الأيادي النحيلة في قمرٍ أوقعته السواقي على حضنها .
تُرى ، منْ يسير هناك ؟ ومنْ يدخل الآن هذا الظلام وحيدا ؟ يحاول الفتى الطيب أن يحرِّكَ في شفتيه غناءً حميما .. قصيدةَ سحرٍ ، بها بلدةٌ يابسة ** فوق أسوارها علّقَتْ أمهاتُ البيوت الفقيرة شمعاً ، لئلا يغادر مستوحشاً ، أشعلتْ أمه شمعة ثانية ، أوقدتْ قلبها ، أحرقتْ شمعتين ***
تُرى ، منْ يسير هناك وحيداً ، ومنْ أين يأتي الغناء الحزين ؟ لقد آن أن يرحلوا . ركبهم يرتعش ، والوجوم استراح على دربهم كان يصغي لأنفاسهم . رحلوا ، وهم يحلفون لوجهٍ حبيبٍ أن ترحالهم قد يطول . الوجوه الحبيبة تتبعهم مثل رمش العيون . بعد قليل ، سيقتلها شوقها للقاء قريب ، فتدرك أن النبات الذي يهجر الأرض لن يستطيع الإياب .
ليلى عبد المجيد ـ 25 أكتوبر 1993
| |
|
أسيرة الصمت مشــــــرفـة
عدد الرسائل : 92 الموقع : www.damerko.yoo7.com عدد النقاط : 11285 تاريخ التسجيل : 13/01/2009
| موضوع: رد: الرحيل:نص شعري لليلى بنت الدامر الخميس يوليو 08, 2010 2:36 am | |
| الرائع شوقي ... موضوع فوق حد الروعة ونص شعري جميل للغاية ... لي عودة لهذا النص ... لأتمعنه جيداً مرة تانية ... تسلم لإبداعاتك | |
|