بسم الله أبدأ واستعين .. اخوتي الكرام .. لكم كل الود والحب .. والسلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته ..
عله لم يعد خفيا على أحد .. الأزمات الكثيرة والمشاكل المتراكمة التي تمر بها الدولة السودانية .. على المستوى السياسي والاقتصادي والإجتماعي .. ولعلها انعطافة جديدة في تاريخ البلاد منذ استقلالها .. لا يخلو من مكامن الخطورة وفتح صفحات جديدة من صفحات الأزمة العاصفة التي تكاد تهوي بالبلاد الى هاوية لا يعلمها الا الله .. ذلك أن البلاد تمر الان بمرحلة حرجة للغاية ، وهي مرحلة استفتاء جنوب السودان .. حوسط ـيث يعطي هذا القرار الحق للجنوبيين أو من قضى حياته كلها بالجنوب .. أن يدلي بصوته في هذا الاستحقاق .. إما نحو استمرار الوطن واحدا أو انفصالهم وتكوين دولة جديدة لهم ..!
ولو نظرنا إلى الوضع السياسي والاجتماعي بالسودان .. دعنا نقل منذ تكون الدولة السودانية كقعطة واحدة من الأرض .. بالطبع منذ توحيد ممالكها بعد الغزو التركي للسودان .. نرى أن السودان منذ القرن التاسع عشر وحتى اللحظة .. ما زال في طور التشكل والتكوين .. ولم ترسو سفينته بعد على بر آمن ورؤية جامعة شاملة .. تعرف ماهية المجتمع ونوع الدولة وماهية الدولة أيضا .. لذلك فالسواد الأعظم من المشكلات التي عصفت بالبلاد خلال تاريخها السياسي والاجتماعي الطويل .. إنما هو من مخرجات تلك التغرة .. التي تمثلها الأزمات الإثنية والايدلوجية الاجتماعية .. ولعل كل هذه الأزمات لم يكن ظهورها غريبا في وطن شاسع واسع مترامي الحدود والأطراف .. يستحيل معه السيطرة على حدوده وأقاليمة مع التداخل القبلي والعرقي الهائل مع دول الجوار وضمن القبائل السودانية داخل الدولة .. لذلك اعتقد أن فشل كل الحكومات ، مدنية كانت أو عسكرية في فك شفرة الدولة السودانية وإخراجها من عنق الزجاجة .. كان وراء استمرار اتردي الوضع في دولة ينتظر منها الكثير ..
والآن .. ونحن ماعدنا نملك من الوقت الا القليل .. وسط أزمات عسكرية واقتصادية وسياسية واجتماعية حادة يمر بها السودان .. فإن السبيل إلى الحفاظ على وحدة البلاد لمن يظن الدرب مفروشا بالورد .. ربما هو ضرب من الخيال .. فحبل الوحدة أرفع من أن نتشبث عليه ونعلق عليه أحلامنا وأحلام الأجيال القادمة .. ذلك أن أصل الإشكالية لم يعالج خلال الخمسين عاما الماضية .. فهل سيعالج خلال الخمسة شهور القادمة .. يبدو أنني شخصيا أحتاج لنوم طويل لأحلم بذلك .. فالشعب في جنوب السودان رغم ما يمر به من أزمات داخلية وحروب طاحنة بين أبناء جلدتهم .. تقطع أوصالهم .. وتؤرق مضاجعهم .. إلا أن خيار الدولة الجديدة أصبح خيارا جاذبا .. بالنسبة لأغلب أبناء الجنوب .. سواء الموطنين الأميين البسطاء .. أو غالبية الطبقة المثقفة .. فهم يعتبرون أن الوضع لن يتغير .. وأنهم سيعاملون كمواطنين درجة ثانية .. وأن ثمة تمييز عرقي ولوني سيشن عليهم .. كما تعودوا دوما وأبدا خلال العقود الماضية من أبناء الشمال عموما والعرب خصوصا .. ولعل تلك الرؤية تتضح لنا بشئ من الواقعية والعاطفية في نفس الوقت .. فابناء جنوب السودان مع ما عانوه طوال حياتهم عبر القرون المتطاولة الفائتة .. من دمار وتشريد ومجاعات وتمييز عنصري ومعاملة دونية .. تلك ترسبات اجتماعية سيكولوجية وعاطفية لا يستهان بها .. وربما تلك العاطفة القوية ستلعب دورا جديا في اختيار المواطن الجنوبي .. وهو بذلك ستعميه العاطفة عن الواقع والمآلات المحتملة ما بعد الانفصال في ظل تلك الدولة الجديدة الواعدة .. فالإنسان عندما تسيطر عليه عاطفة قوية .. ينسى أحيانا المنطق والحوار والتفكير .. فتجده يفكر بقلبه ولا بعقله .. ولعل ذلكم وراء توقعات الخبراء والمحللين بانفصال الإقليم الجنوبي عن السودان ..
ولكن .. يبقى دورنا نحن كشباب وطلاب .. كطبقة مثقفة وناضجة .. وقادرة بقوة العزم والارداة على صنع التغيير - يبقى واجبنا أن نعمل بكل قوانا على دعم المشروع الوحدوي وتشجيع البرامج الشبابية والمشاركة فيها وتقديم المقترحات والاطروحات من أجل رفع وعي المواطن الجنوبي بأهمية بقاء السودان قطرا واحدا ومآلات وعواقب الانفصال .. على الدولتين وعلى الجنوب خاصة .. ويبغي بشكل ضروري ، مراعاة ألا يكون الخطاب بدائيا أو استفزازيا ..أو ساذجا باعتبار أن ابناء الجنوب كما هم قبل قرن متخلفين وأميين ولا يدركون شيئا .. فذلك خطأ كبير .. فمن المهم أن يكون الخطاب قويا مراعيا لدرجة وعي وإدراك المواطن والشعب في جنوب السودان .. وأن تتركز البرامج وتوجه نحو الشباب والنساء .. وخصوصا الطبقة المثقفة .. وذلك بعقد ورش عمل وندوات ونقاشات جماعية ومناظرات وغيرها من وسائل الحوار الهادف لإيصال الغايات المبتغاة من هذه البرامج الوحدوية ..
لهذا في اعتقادي .. أنه لا عذر لأحد منا شابا أو كهلا رجلا أو إمرأة .. ألا يساهم في دعم الوحدة ولو بالدعاء .. لو كان ذلك أكثر ما يستطيع منحه .. ولنعلم أن الوطن رغم أنه يعاني ما يعاني .. إلا أنه بشماله وجنوبه ،، بشرقه وغربه ووسطه .. يشكل الشعب السوداني والعمق السوداني والبعد السوداني .. والهوية السودانية .. والأمل السوداني .. وهو ميراث الأجداد .. وصميم الثقافة السودانية .. ونجاحة يعني نجاح القارة المصغرة .. ونجاح تجربته يعني نجاح للبشرية وللإنسانية..!